الأحد، 25 أغسطس 2013

حكايات مصرية ٢: كيف سيكتب الراوي الحكاية ..

كيف سيكتب الراوي الحكاية ..
تتساءل النملات في دأبها الأزلي و هي تتحاشى الوقوع تحت ثقل نعال أولئك العمالقة السائرين على قدمين.. و الذين أصابهم العمى على ما يبدو و هم يسحقون صغار الكائنات الماشية على أربع أو ثمان .. و يسحقون بعضهم البعض أيضا ..!!

يزدهر عالم التدوين في مملكتهم و هم يحاولون تجميع شهادات النملات السارحات على أغصان الصفصاف أو على جنبات النيل المتناقص هذه الأيام .. أو و هي تتسلق سترة سائق يثرثر بالكلمات .. أو في شقوق الكعب لمزارع يكافح من أجل لقيمات يقوت بها صغاره في المساء .. أو بين تلافيف بائعة خضار تنتظر فتات الزرق المتاح لأمثالها من المستضعفين في الأرض .. 

يكتب النمل كلماته برثاء طويل و هو ينعي كل يوم شهداءه تحت النعال المثقلة بحملها .. و ينعي تردي العمالقة في هوة التاريخ السحيقة كما تناقلها أجدادهم..

كان النمل يتناقل الحكايات (و هو يحكي للصغار من كتب الأجداد) عن نعيم الأرض المتمثل .. في مياه زرقاء تسري في وريد التربة الخصبة .. في وجوه سمراء متعبة حزينة و رغم ذلك لا تفتر ضحكاتهم أن تملأ الأرجاء و هم ينقلون موقد الشاي حتى لا يؤذي بعض النمل المتجول في الجوار بلا استئذان ..

الآن يتلاشى كل شئ (تماما ككل أسطورة جميلة)
تظل الوجوه السمراء متعبة حزينة .. و يتناقص النيل باطراد (لا تدري هل هو احتجاج أم حزن أم غضب أم كل ذلك معا) .. و لا ينقل العمالقة الموقد حرصا على النمل المعابث لهم كما في الأيام الخوالي ..
و تحل بدل الضحكة الصاعدة صوت فرقعات ثم آهات يتلوها جنازات مهيبة و دخان الغاز الخانق يتصاعد بقسوة في الهواء ليسحق صغار النمل المثابر و مستضعفي العمالقة الماشين على قدمين ..

لا يدرون (و لا ندري معهم).. هل يهجرون الأرض التي وعدتهم بالنعيم أم يستمرون في الكفاح و التدوين .. أملا في الغد المشرق و عودة الوجوه السمراء و ضحكاتها الصاعدة في السماء .. 
لا زالت الحيرة هناك .. و لا زلنا .. و الغد لم يحن أوانه بعد …..

ملحوظة:
التدوين لا زال في ازدهار رغم تغير الأحوال .. إنعاشا لذاكرة الأسماك و هي تتبادل القفز على صفحة النيل المتناقصة باطراد ..

"من على ضفاف النيل .. و في تأمل الوجوه السمراء المتعبة و صفوف النمل الشاهد علينا اليوم و في قادم الأيام"

القاهرة
http://www.facebook.com/terkawi/posts/10201031192636607

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق